أثار تقرير التضخم الأمريكي المختلط، الذي صدر في بداية جلسة التداول الأمريكية، المزيد من الأسئلة أكثر مما أجاب عليه. في حين أن مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسي (CPI) جاء متوافقًا مع التوقعات وأشار إلى تسارع في التضخم العام، إلا أن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي انخفض إلى "المنطقة الحمراء"، مما يشير إلى تباطؤ في هذا المقياس الرئيسي. استجابةً للتقرير، بقي زوج اليورو/الدولار الأمريكي حول مستوى 1.03، حتى أنه اختبر مستوى المقاومة 1.0350، الذي يتوافق مع الخط الأوسط لمؤشر بولينجر باندز على الرسم البياني اليومي.
لكن هل التقرير الأخير ضار حقًا بالدولار؟ وهل المراكز الطويلة في المناخ الأساسي الحالي موثوقة حقًا؟ هذه أسئلة مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار.
هناك تعبير لاتيني يقول "In dubio pro reo"، والذي يعني "عند الشك، لصالح المتهم". بإعادة صياغته، يشير إلى أن المتداولين يفسرون حاليًا شكوكهم بطريقة تفضل الدولار الأضعف. على سبيل المثال، أظهر تقرير مؤشر أسعار المنتجين (PPI) الذي صدر يوم الثلاثاء حركة تصاعدية للشهر الثالث على التوالي، حيث ارتفع بنسبة 3.3% على أساس سنوي، على الرغم من أن هذا كان أقل قليلاً من التوقعات التي كانت 3.5%. وهذا يمثل أسرع معدل نمو منذ مارس 2023. ومع ذلك، ظل مؤشر أسعار المنتجين الأساسي ثابتًا عند 3.5%، متماشيًا مع التوقعات. على الرغم من الأدلة على ارتفاع التضخم، فسرت السوق هذه المعلومات بشكل سلبي للدولار، متأثرة بالنبرة التشاؤمية العامة للتقرير.
حدث موقف مشابه يوم الأربعاء عندما ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسي إلى 0.4% على أساس شهري، وهو أعلى زيادة منذ مارس 2024، ويمثل الشهر الثاني من النمو على التوالي. على أساس سنوي، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسي إلى 2.9%، مما يمثل أقوى معدل نمو منذ يوليو 2023. وهذا يشير إلى اتجاه إيجابي بعد ستة أشهر متتالية من الانخفاضات في وقت سابق من العام، من أبريل إلى سبتمبر.
في المقابل، دخل مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، ما يُعرف بـ "المنطقة الحمراء" - وهي حالة مختلفة عن مؤشر أسعار المستهلكين العام، الذي تماشى مع التوقعات. شهريًا، انخفض المؤشر الأساسي إلى 0.2% بعد أن ظل عند 0.3% لأربعة أشهر متتالية. وعلى أساس سنوي، انخفض هذا المؤشر أيضًا إلى 3.2%. بينما قد يبدو أن كلا المكونين يظهران انخفاضًا، من المهم تسليط الضوء على أن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي شهد انخفاضًا كبيرًا من أبريل إلى يوليو، ليصل إلى الهدف البالغ 3.2% بحلول منتصف الصيف. في أغسطس، استقر عند هذا المستوى. ومع ذلك، من سبتمبر إلى نوفمبر، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي قليلاً إلى 3.3%، قبل أن يعود إلى 3.2% في ديسمبر. وهذا يشير إلى أنه لا يوجد اتجاه هبوطي حقيقي؛ بدلاً من ذلك، يبدو أن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي يتوقف عند مستوى مرتفع نسبيًا، وهو ما يظل مقلقًا بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي.
يكشف تقرير التضخم أيضًا عن زيادة في أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت بنسبة 0.5% بعد انخفاض سابق بنسبة 3.2%. ارتفع سعر الغاز الطبيعي بنسبة تقارب خمسة بالمئة (4.9%)، بعد زيادة بنسبة 1.8% في نوفمبر. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار الغذاء بشكل كبير، حيث زادت بنسبة 2.5% (مقارنة بـ 2.4% في نوفمبر). كما شهدت خدمات النقل زيادة بنسبة 7.3%، بعد أن زادت بنسبة 7.1% سابقًا. في الوقت نفسه، شهدت كل من السيارات الجديدة والمستعملة انخفاضًا طفيفًا في الأسعار، حيث انخفضت بنسبة 0.4% و3.3% على التوالي.
تشير البيانات إلى أن التضخم العام يستمر في الارتفاع، وإن لم يكن بالحدة التي توقعها بعض المحللين. في الوقت نفسه، يبدو أن التضخم الأساسي قد توقف، دون ظهور علامات على اتجاه هبوطي في الوقت الحالي.
كان رد فعل السوق على بيانات مؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر أسعار المنتجين عاطفيًا بشكل مفرط. يبدو أن العديد من المتداولين يعتقدون أن الضغوط التضخمية المعتدلة ستسمح للاحتياطي الفيدرالي بتبني وتيرة أكثر عدوانية لتخفيف السياسة النقدية هذا العام. من الجدير بالذكر أن توقعات النقاط التي تم تحديثها في ديسمبر تتوقع خفضين في سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في عام 2025. ومع ذلك، فإن هذه الاستنتاجات، في رأيي، سابقة لأوانها وغير مبررة. لا يزال سوق العمل الأمريكي قويًا، ومؤشرات التضخم إما تتسارع أو تظهر استمرارية، بدلاً من إظهار انخفاض مستدام.
ظلت توقعات السوق بشأن إجراءات الاحتياطي الفيدرالي مستقرة إلى حد كبير. تبلغ احتمالية عدم تغيير سعر الفائدة في اجتماع يناير 97%، بينما تبلغ الاحتمالية لشهر مارس 72%، وفقًا لـ CME FedWatch. حاليًا، هناك فرصة بنسبة 50/50 لخفض بمقدار 25 نقطة في مايو، بانخفاض عن تقدير سابق بنسبة 60% لوقف في ذلك الشهر. ومع ذلك، نظرًا لأنه لا يزال هناك خمسة أشهر حتى اجتماع مايو للاحتياطي الفيدرالي، فإن مناقشة مثل هذه التوقعات البعيدة يعد أمرًا سابقًا لأوانه إلى حد ما.
لم تؤدِ التقارير الأخيرة عن التضخم إلى ارتفاع في قيمة الدولار، لكنها أيضًا لم تتسبب في انخفاض كبير، حيث تستمر البيانات في إظهار ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة. يجب النظر إلى الزيادات الحالية في أسعار زوج العملات EUR/USD كفرص للدخول في مراكز بيع، خاصة إذا واجه المشترون صعوبة في اختراق مستوى المقاومة المؤقت عند 1.0350، وهو الخط الأوسط لمؤشر بولينجر باندز على الرسم البياني اليومي.
الهدف الأول للحركة الهبوطية هو علامة 1.0300، والتي يمثلها خط Tenkan-sen على الرسم البياني اليومي، بينما الهدف الرئيسي هو مستوى 1.0230، الذي يتوافق مع الخط السفلي لمؤشر بولينجر باندز على نفس الإطار الزمني.
